حوارات ومقالات

الأسرة.. الدائرة المركزية الأولى في المجتمع المسلم

  • عدد المشاهدات : 297

مركزية الأسرة في الإسلام هي من أهم ما نحتاج إعادة النظر فيه وفهمه اليوم، فالأمة المفككة أسريًا أمة مهزومة ضعيفة، لا جَلَد لها، ولا قدرة، ولا صلابة، ولا عزة، ولا وعي.
 
أتحدث عن ذاك التفكك الذي يبدأ صغيرًا يسري كتصدعات بسيطةً لا تلبث أن تكبر وتتوسع لينهار البناء كله بها.
 
أتحدّث عن الأفكار التي تبدأ بكلماتٍ ولا تلبث أن تغيّر السلوكيات والبيوت والحياة. عن المرأة مسيئة الظن بصاحب أكبر الحقوق البشرية عليها. عن الرجل القلق من استغلال سكَنه وزوجه له أو إضرارها به في أي وقت. عن ذاك الاحتقان الرهيب وتلك الحمولة النفسية الكبيرة التي يدخل بها الرجال والنساء الزواج. عن شعور التخوّف والقلق المستمر من أقرب الناس إليك. 
 
أتحدث عن رؤية الإحسان من الآخر استثناءً والتقصير إثباتًا للقاعدة. عن محاولة إثبات الذات المستمرة وقلق (أنني لست أقل منه) و(لا أحتاجه). عن فكر (حقي وحقك) و(لماذا هو يفعل ولا أفعل؟)، و(هل هذا واجبي أم لا؟)!
 
أتحدث عن استبدال الطمأنينة والحنان الإنساني بالذكاءات الاصطناعية وألعاب الفيديو والمسلسلات والأفلام. عن غياب البيئة الحاضنة للأفراد، عن غياب الدفء الذي يرجع إليه المرء بعد تعب العالم كلّه. عن صعوبة الحياة حين تكون المرأة وحيدة لتكافح عن نفسها. عن برد البيت الذي يعود الرجل إليه ليجده خاويًا لا أحد فيه ولا رائحة طعام ولا حتى فوضى أطفال.
 
الأمة التي هؤلاء أفرادها -وإن بدت من بعيدٍ بخيرٍ- هي أمة مشتَّتة، صعب جدًا أن يخرج منها الجيل الذي سيعيد المجد ويبني ويفتح ويدعو لدينه ويبدع ويخترع ويغيّر. الأمة التي هؤلاء أفرادها صعب جدًا أن تنطلق بفكرٍ وعزّةٍ لتدعو لما عندها، وتدرك قيمته أصلاً، وهي مازالت تتناحر في أصغر دوائرها!
 
لذلك علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن الشيطان أشد ما يفرح به من أتباعه هو الذي يفرّق منهم بين المرء وزوجه، ويقربه ويدنيه عنده؛ لأن ذلك بداية التفتت والدمار وتصدع الأمة من أساسها.
 
وعلى كل زوجين أن يدركا أن ما يقومان به في البيوت ووراء الأبواب من حسن عشرة الزوجة لزوجها والزوج لزوجته، ومن إعفاف بعضهما، ومن اجتهادهما ليكونا المودة والرحمة لبعضهما، ومن عمل على تربية أبنائهما كما يرضى الله، ومن حرص على بر والديهما ووصل رحمهما.. لا يمكن تعويضه، بل تلك من أهم ثغور الأمة التي مازالت بحمد الله مسدودةً بغالبها، ومازال أعداؤنا يجتهدون بكل طاقتهم لتحطيمها، واختراقنا من خلالها بدعاويهم الشيطانية التي تخاطب الأهواء، وتحيي شرور النفس، وتعيد جاهليات لا يرضاها عاقل أبدًا.
 
ولندرك خطر دعاوى (من هو لتسمعي كلامه!)، و(أمجنون أنت لتتركها تستغلك، بينما هي تستطيع العمل مثلك!)، و(لا تضيعي حياتك لأجل أولادك!)، و(لماذا تطبخين له وهو ليس واجبًا عليكِ!)، و(لماذا تستأذنينه قبل خروجك؟)، وغيرها كثير من الجنون المنتشر الذي بات مملاً ومكررًا حدّ السخف، وهو لا يكف عن محاولة نزع الفرد من الحضن الآمن له والتغرير به، وتحديدًا مخاطبتنا نحن النساء بأننا أبدًا مظلومات، وأننا نحتاج الثورة والرفض والغضب على كل شيء وأي شيء، دون أدنى توقّف أو تفكير بحقيقة الأمور وحكمة التشريع ودقّته.
 
لذلك أكرر لكل أب وأم وزوج وزوجة: لا تستهينوا بواجباتكم في بيوتكم، بتزيّنكِ لزوجكِ، باللقمة ترفَعُها لفم امرأتك، بتعبيركم لأبنائكم عن حبكم، بسؤالكم عن والديكم واجتهادكم لتحسنوا لهم، بمجاهدتكِ لنفسكِ لتلبّي حاجة زوجك وأنت غير راغبة، بتغافلكَ عما تجده تقصيرًا من زوجتك. 
 
وبسعيكم المستمر لتكونوا أفضل في أدواركم المفروضة، وأن تتعلموا التربية والمهارات الزوجية واللطف والأدب النبوي فيها، لتعملوا بهدي كتاب الله في الاتفاق وفي الاختلاف، وتكونوا بناةً حقيقيين لأمتكم من دائرتها المركزية الأولى.
 

موضوعات ذات صلة:









 
 
___________
 
* المصدر: قناة "تسنيم راجح" بالتليجرام.

(10 موضوع)