يشير كتاب "موت الغرب.. أثر شيخوخة السكان وموتهم وغزوات المهاجرين على الغرب" لمؤلفه باتريك جيه. بوكانن(1) إلى الانهيار الاجتماعي الذي بدأ يحل بالدول الغربية؛ نتيجة لتخليهم عن القيم الأسرية والدينية، والتي تحمي المجتمع من التفكك والانقراض، متوقعًا قرب موت وانتهاء الغرب إذا ما استمر على نفس الوتيرة، والمؤلف في هذا الكتاب ينبه إلى أن الموت الذي يلوح في أفق الغرب هو في الواقع موتان:
موت أخلاقي؛ بسبب السقوط الأخلاقي الذي ألغى كل القيم التربوية الأسرية والأخلاقية التقليدية.
وموت ديموغرافي وبيولوجي؛ نتيجة تناقص أعداد السكان.
تناقص سكاني مخيف

ويستدل على ذلك بمؤشرات بدأت بالظهور بوضوح في العائلة وفي السجلات الحكومية، والتي تشير إلى اضمحلال القوى البشرية في الغرب، وإصابة ما تبقى منها بشيخوخة لا شفاء منها إلا باستقدام المزيد من المهاجرين الشبان، أو بالقيام بثورة حضارية مضادة تعيد القيم الدينية والأخلاقية إلى مكانتها التي كانت من قبل.
ويقول الكاتب أن الموت المقبل مريع ومخيف؛ لأنه وباء ومرض من صنع أيدينا، ومن صناعة أفكارنا، وليس بسبب خارجي؛ مما يجعل هذا الموت أسوأ بكثير من الوباء الأسود الذي قتل ثلث سكان أوروبا في القرن الرابع عشر، فالوباء الجديد لا يقتل إلا الشباب، مما يحوّل الغرب عمومًا، وأوروبا بشكل خاص إلى (قارة للعجائز).
ويوضح أن هذه التنبؤات ليست مجرد تخمينات أو توقعات أو احتمالات، إنما هي حقيقة واقعة صادمة لشدة وضوحها. خاصة عندما تبدأ الأرقام بالحديث، فوفقًا للإحصاءات الحديثة، هبط معدل الخصوبة عند المرأة الأوروبية إلى (1 طفل) لكل امرأة، علمًا أن الحاجة تدعو إلى معدل (2 طفل) كحد أدنى لتعويض وفيات السكان الموجودين الآن، ودون الحديث عن زيادة عددهم.
وإذا بقيت معدلات الخصوبة الحالية على ما هي عليه، فإن سكان أوروبا البالغ عددهم (728) مليون نسمة، بحسب إحصاء عام 2000، سيتقلصون إلى (207) ملايين نسمة في نهاية هذا القرن. أي أقل من الثلث، وفي المقابل ففي الوقت الذي تموت فيه أوروبا لنقص المواليد، يشهد العالم الثالث كالهند والصين ودول أمريكا اللاتينية -وخاصة البلدان التي يقطنها المسلمين- انفجارًا سكانيًا لم يسبق له مثيل، بمعدل (80) مليون نسمة كل عام، ومع حلول عام 2050 سيبلغ مجمل نموهم السكاني (4) مليارات إضافية من البشر. وهكذا يصبح كابوس الغرب حقيقة.
ويضيف المؤلف "إن الأرقام تصبح مخيفة أكثر عند تناولها لتشخيص مرض النقص السكاني على مستوى الدول والأمم بعد (50) عامًا من الآن، ففي ألمانيا سيهبط التعداد السكاني من (82) مليونًا إلى (59) مليون نسمة، وسيشكل عدد المسنين ممن تجاوزوا الـ(65) عامًا أكثر من ثلث السكان، أما إيطاليا فستشهد تقلص عدد سكانها البالغ (57) مليونًا إلى (41) مليونًا، وستصبح نسبة المسنين40% من التعداد العام للسكان، وفي إسبانيا ستكون نسبة الهبوط 25%، وحتى روسيا ستشهد تناقص قواها البشرية من (147) مليونًا الى (114) مليون نسمة، ولا تختلف اليابان كثيرًا في اللحاق بمسيرة الموت السكاني، فقد هبط معدل المواليد في اليابان إلى النصف، مقارنة بعام 1950".
الثقافة الجديدة والموت الأخلاقي
هذه الأرقام المخيفة توصلنا لسؤال محير هو: لماذا توقفت أوروبا وشعوبها عن إنجاب الأطفال، وبدأت تتقبل فكرة اختفائها عن هذه الأرض بمثل هذه اللامبالاة؟
يجيب الكتاب، بأن الجواب يكمن في النتائج المميتة لهذه الثقافة الجديدة في الغرب، والموت الأخلاقي الذي جرته هذه الثقافة على الغربيين، هذا هو الذي صنع موتهم البيولوجي، فانهيار (القيمة) الأساسية الأولى في المجتمع، وهي الأسرة، وانحسار الأعراف الأخلاقية الدينية، التي كانت فيما مضى تشكل سدًا في وجه منع الحمل والإجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار المؤسسة الزوجية، إضافة إلى تبرير -بل تشجيع- العلاقات الشاذة المنحرفة بين أبناء الجنس الواحد، كل هذا دمر بشكل تدريجي الخلية المركزية للمجتمع، وأساس استمراره، وهي الأسرة.
وتبدو لغة الأرقام هنا أكثر هولاً، فقد ارتفع الرقم السنوي لعمليات الإجهاض في الولايات المتحدة من (6000) حالة سنويًا عام 1966 إلى (600) ألف حالة عام 1973، بعد أن سُمِح بالإجهاض، واعتبرت عملية قتل الأجنة حقًا للمرأة، يحميه الدستور. وبعد عشر سنوات وصل الرقم إلى (مليون ونصف المليون حالة إجهاض) في العام الواحد.
أما نسبة الأطفال غير الشرعيين، فهي تبلغ اليوم 25% من العدد الإجمالي للأطفال الأمريكيين، وفي مجتمع الأمريكيين الأفارقة فإن 69% من الولادات تتم خارج الزواج، وفي عام 2000 ارتفعت نسبة الأطفال غير الشرعيين في عدد من الدول، فقد وصلت في كندا إلى 31%، وفي فرنسا إلى 36%، وفي المملكة المتحدة إلى 38%، ويعيش ثلث أطفال أمريكا في منازل دون أحد الأبوين، إما بدون الأب وهو الغالب، وإما بدون الأم.
وهناك مؤشر آخر خطير، فقد بلغ عدد حالات الانتحار بين المراهقين الأمريكيين ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في عام 1960، أما عدد مدمني المخدرات -المدمنين وليس المتعاطين- فقد بلغ أكثر من ستة ملايين شخص في الولايات المتحدة وحدها،.
وقد تناقصت كثيرًا أعداد الشبان والشابات الراغبين في الزواج، طبعًا في مجتمع يسمح بالحرية الجنسية الكاملة، ويتيح المساكنة بين الرجل والمرأة دون أي رابط شرعي أو قانوني في بيت واحد، وخوف الرجل من قانون الأحوال الشخصية الظالم، إذ تأخذ الزوجة نصف ثروته في حالة الطلاق، واضطرار المرأة للقبول بالمساكنة بدون زواج؛ بسبب حاجتها إلى رجل يقف معها ويحميها، ناهيك عن الحاجة البيولوجية.
أما قضية الشذوذ الجنسي وقانون الزواج بين أبناء الجنس الواحد، فقد بلغت حدًا لم يكن ممكنًا مجرد تخيله في السابق.
ويربط الكاتب بين ما آلت إليه أحوال الغرب وبين تخليه عن الدين، فيقول: "كلما زاد الوازع الديني عند شعب، سواء كان مسيحيًا أو مسلمًا أو يهوديًا، كان معدل الولادة عنده أعلى".
ويقول الكاتب: "في العلم والتكنولوجيا والاقتصاد والزراعة والتسليح والحكم الديمقراطي ما تزال أمريكا وأوربا واليابان متقدمة بأجيال للأمام. ولكن العالم الإسلامي يحتفظ بشيء قد فقده الغرب، وهو الرغبة في أن يكون لديه أطفال، والإرادة لمتابعة حضارتهم وثقافتهم، وعائلاتهم، وإيمانهم. ومن الصعب اليوم أن تجد أمة غربية لا يموت فيها السكان المحليون، ومن الصعب -على الغرار نفسه- أن تجد أمة إسلامية لا ينفجر فيها عدد السكان المحليين".
وأخيرًا يخلص المؤلف للقول "أن هذه هي إحصائيات لمجتمع وحضارة تحتضر وتموت، وأن بلدًا مثل هذا لا يمكن أن يكون حرًا، فلا وجود للحرية دون فضيلة، ولا وجود للفضيلة بغياب الإيمان".

_______________
* المصدر: موقع معرفة، بتصرف وإضافات.
(1) مؤلف الكتاب، هو سياسي ومفكر أمريكي معروف، عمل في منصب مستشار لثلاثة رؤساء أمريكيين، وهو كاتب لعمود صحافي دائم في عدد من الصحف الأمريكية، ومؤسس لثلاثة من أشهر برامج التلفزيون في أكبر قناتين أمريكيتين (إن. بي. سي) و(سي. إن. إن)، وألف العديد من الكتب، وقد صدر كتابه هذا عام 2001، وترجمه إلى العربية أ. محمود محمد التوبة، وصدر مترجمًا عام 2005.