حوارات ومقالات

المساواة المطلقة.. ومصطلح "العنف ضد المرأة"

هناك أفكار غير منطقية، لا تحمل أي سند عقلي، وعلى الرغم من ذلك كُتب لها الانتشار والذيوعُ، هذه الأفكار قد تصل لحدّ السذاجة والسخف، وعلى الرغم من ذلك يتم التعامل معها بتقدير كامل قد يصل لحد التقديس، واعتبارها أحد المبادئ التي اتَّفقت عليها الإنسانيةُ.
 
تماثل أم تكامل؟
 
ومن تلك الأفكار المتهافتة التي حظِيَتْ بتقدير وحفاوة بالِغَينِ: فكرة المساواة الكاملة والمطلَقة بين الرجل والمرأة، تلك الفكرة التي عرَفت طريقها للمؤتمرات الأمميَّة، ومنها الجلسة 57 للجنة مركز المرأة في الأمم المتحدة، والتي جاءت بعنوان: إلغاء ومنع كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات Elimination and prevention of all forms of violence against women and girls، والتي عقدت من 4 إلى 15 مارس 2013. والتي تتلخص فكرتها الجوهرية في أن كل أمر لا تتحقق فيه المساواة الكاملة والمطلقة بين الجنسين هو بمثابة عنف ضد المرأة.
 
المساواة في الإنسانية، والمساواة في المسؤولية والجزاء.. أمر مؤكد ومنطقي وعقلاني، ورؤية إسلامية واضحة وقاطعة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35].
 
لكن المساواة والتماثل في الأدوار أمرٌ لا يمكن فهمُه، وإلا فلماذا خلق اللهُ الذَّكر والأنثى؟ ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ [آل عمران: 36].
 
العقل والفطرة يدعوانِ لتكامل الدور بين الرجل والمرأة؛ وذلك من أجل خير الإنسانية، وليس استنساخ دور أحدهما وتعميمه بلا تفكيرٍ أو رويَّة، كما تريد العَلْمانية العالمية أن تفعل، وكما تريد العَلْمانية المحلية أن تنفذ وتحقق على أرض الواقع.
 
تكرار وإلحاح
 
تعتمد العلمانية العالمية في طرحها للفكرة المشوهة والساذجة عن المساواة - على طرحها المرة تلو المرة؛ فالتكرار والإلحاح على فكرةٍ ما يجعلها تدريجيًّا تقابَلُ بالقَبول النسبي بعد أن كان مصيرها الرفضَ التام.
 
وعندما يتم عقد مؤتمر أممي يظلون يتابعون نتائجه وتوصياتِه، ويتابعون الذي تحقَّق منه على أرض الواقع، كما فعلوا مع وثيقة بكين، فهناك مؤتمر (بكين +5)، ثم (بكين +10)، ثم مؤتمر (بكين +15) في مارس 2010، وبين هذه المؤتمرات الضخمة جلساتٌ سنوية للمتابعة أيضًا، مثل الجلسة 57 سابقة الذكر، وممارسة الضغوط على الدول الأعضاء من أجل صياغة قوانين تحقِّق هذه الفلسفات الهدامة، ومن أجل الضغط المجتمعي لتغيير الواقع الفعلي.
 
إن الفطرة السليمة والعقل والمنطق يتوافقانِ تمام التوافق مع ما جاءت به التكليفاتُ الإلهية والأحكام الشرعية المتعلقة بقضية المرأة والأسرة، التي تركت مساحة واسعة للتقدير وإعمال العقل، لا تشتمل إلا على القواعد الشرعية العامة. ومن ذلك مثلاً حدودُ مشاركة المرأة في الحياة العامة إذا التزمت بالضوابط الشرعية، هذه الحدودُ، الذي يحكمها مدى صلاحية امرأة زمن معين وبيئة معينة للقيام بهذا الدور.
 
اقتحام للخصوصيات
 
 هذه الفكرة عن المساواة المطلَقة طالت كلَّ شيء عندهم، بطريقة تدعو للرثاء قبل السخرية لهؤلاء الذين يؤمنون بمثل هذه الأفكار، ولكن في الوقت نفسه فلا بد أن تشعُرَ بالغضب الشديد من إصرار هذه المؤسسات على اقتحامِ خصوصيتك الثقافية التي تتوافقُ مع العقل والفطرة، وإجبارك على مخطط الهدم والتفكيك والقفز في الهاوية، وبتعبير البروفيسور "ريتشارد ويلكنز" - رئيس المركز الدولي للسياسات الأسرية -: "إن المجتمع الغربي قد دخل دوامة الموت، ويريد أن يجرَّ العالَمَ وراءه".
 
وصلت مهزلة المساواة إلى اقتحام الحياة الخاصة جدًّا بين الزوج وزوجته، وتعريتها، كما فعل الشيطان من قبل؛ حتى تتحقق المساواة في العلاقة الحميمة، وإلا اعتبر الزوج متحرشًا أو مغتصبًا لزوجته، والمساواة في ذلك بين الزوجة والأجنبية، وهو أمر تحدد عقوبتَه محكمةُ الجرائم الدولية.
 
"بل إن الأمر وصل إلى مطالبة الاتحاد الأوروبي (EU) بتحويل ما أطلق عليها "جرائم العنف المبني على الجندر" إلى محكمة الجرائم الدولية (ICC)، ولن يقتصر الأمر هنا على جرائم الاغتصاب الممنهج أثناء الحروب؛ وإنما نظرًا لتعميم مفهوم "العنف المبني على الجندر" في الوثيقة، فإن أي ممارسة تدخل في نطاق ذلك التعريف، سيتم تحويلها - وفقًا لتلك الإضافة - إلى محكمة الجرائم الدولية (ICC)، وبصفة خاصة ما أطلقوا عليه "العنف الجنسي Sexual violence"، والذي يشمل أيضًا العلاقة الخاصة بين الزوج وزوجته". (1)
 
فما هذا الهراء العَلْماني العالمي؟ وهل يجرؤ العَلْمانيون المحليون على الكشف عن كامل مخططاتهم أم أنهم سيظلون يتخندقون وراء الألفاظ الغامضة والمعاني المطاطة، ويدندنون حول مساواتهم الساذجة، معتمدين على امتلاكهم لمعظم وسائل الإعلام؟!
 
المصدر: موقع الألوكة، بتصرف، بتاريخ 29/12/2014.

_________________

(1) كاميليا حلمي، الجلسة 57 للجنة مركز المرأة.. استمرار لمحاولة هدم الأسرة، موقع الدستور.
 

(16 موضوع)

كاتبة فى مجال الأسرة