قراءات

خطايا تحرير المرأة.. كتاب يفنّد أوهام الفكر النسوي

لو كانت مؤلفة هذا الكتاب عربية لانهالت عليها الاتهامات من كل حدب وصوب، ولوصفها الكثيرون بالرجعية والتخلف والظلامية والانغلاق، وربما بالتطرف والإرهاب، لكنها كاتبة غربية، ولدت وتربت وعاشت في الولايات المتحدة الأمريكية، بلد الحريات وزعيمة الحضارة الغربية الحديثة، وعانت -بوصفها امرأة- من الكثير مما أسمته (خطايا) تحرير المرأة، وبالتالي فإن عنوان هذا الكتاب ومحتواه سوف يصدم الكثير من العلمانيين والمتغربين العرب والمسلمين، الذين يرون في النموذج الغربي المعاصر قمة التقدم والتطور الإنساني، حتى وإن وصل بعض أهل الغرب إلى عكس تلك النتيجة، فيما يتعلق بالفطرة الإنسانية.
 
والمؤلفة هي الناشطة الأمريكية كاري إل. لوكاس، في العقد الرابع من العمر، وتشغل منصب مدير السياسات ونائبة رئيس منتدى المرأة المستقلة بالولايات المتحدة.
 
فطرية الاختلافات بين الجنسين
 
والكتاب الذي صدر في عام 2010، وترجمه وائل محمود الهلاوي يتناول "المعلومات المزيفة، والكثير من الأوهام، التي يتم تسويقها بين النساء، ويخترق آفاقًا محظورة عن البحوث والدراسات، التي لم يتم مناقشتها أو الإشارة إليها في المجال الأكاديمي، الخاضع لمفردات الكياسة السياسية".
 
وبداية تقول المؤلفة إن الحركة النسوية في أمريكا احتكرت لفترة طويلة تحديد ما يجوز الكلام عنه، وما يعتبر خطوطًا حمراء لا ينبغي تجاوزها، فيما يتعلق بالقضايا التي تؤثر على حياة النساء، ويحاول هذا الكتاب كشف أن الرؤية النسوية لما ينبغي على المرأة أن تفعله غالبًا ما تكون عكس حقيقة آمال ورغبات النساء على أرض الواقع.
 
إن الاختلاف بين الجنسين أمر طبيعي وفطري؛ لاختلاف وظيفة كل منهما ومسؤوليته في الحياة، وثبت أن الاختلافات الهرمونية بين الجنسين مسؤولة عن السمات السلوكية، حيث قام باحثون بدراسة الفتيات اللاتي تعرضن إلى مستوى أعلى من هرمون "التيستوستيرون" وهن في أرحام أمهاتهن، وهو هرمون موجود في كل من الأولاد والبنات، لكن موجود بمستويات أعلى لدى الأولاد.
 
وقد أظهرت تلك الفتيات كثيرًا من السلوكيات المرتبطة بالأولاد، مثل: مزيد من العنف، الاشتراك في أنماط من اللعب الأكثر خشونة، وتفضيل الألعاب الميكانيكية كالسيارات ومواد البناء عن العرائس وألعاب الأشغال اليدوية، والتي هي الاختيار النموذجي للفتيات عادة.
 
وهناك دراسات أخرى تناولت النساء اللاتي لديهن مستويات أعلى من التيستوستيرون، ووجدت أن هؤلاء النساء أظهرن سمات أكثر ذكورية، مثل الحزم والاهتمام العميق بالمستقبل المهني، وامتلاك قدر أكبر من تقدير الذات، إلى جانب مهارات فراغية أكبر، وثبت علميًا أن اختلاف التكوين الدماغي بين الرجال والنساء يفسر تواجد السمات الذكورية والأنثوية بصورة شاملة على امتداد التاريخ، وفي كل مكان حول العالم، لكن لأن هذا المفهوم لا يتناغم مع عقائد الفكر النسوي فإنه يظل موضعًا للجدل.
 
وتقول المؤلفة إن هناك افتراضًا نسويًا يقول بأن المجتمع والمناخ العُنصري المتحيز للذكور هما المسؤولان عن مشكلات المرأة ومدى تقدمها في المجتمع، وإذا قبلنا بمصداقية هذا الافتراض، فلا بد أن هناك شيئًا يمكن فعله، كون المجتمع يعاني من الخلل، فيمكن تحقيق الرؤية النسوية نظريًا عن طريق تغيير في التعليم العام، وإنشاء دور رعاية للأطفال تمولها الدولة، وتشجيع مزيد من الأمهات على ترك أطفالهن من أجل العمل، إلى جانب كثير من التدابير الأخرى، التي تستهدف تصحيح مسار المجتمع.
 
لكن إذا ما كانت الفرضية خاطئة، ولم تكن الاختلافات بين الجنسين مجرد إفرازات اجتماعية، وإنما هي نتيجة وجود فروق جذرية بيولوجية بين الجنسين، فلا يوجد قدر من التدخل الحكومي يمكنه تحقيق المدينة الفاضلة، كما تراها المتحمسات للفكر النسوي.
 
تضخيم العنف ضد المرأة
 
بل إنه في حالة كون التمايز الجنسي أمرًا تفرضه الطبيعة، فإن المشروع النسوي للتقدم ليس تقدمًا على الإطلاق، وما تفعله أجندتهم هو تحقيق واقع أسوأ لكل من الرجال والنساء على السواء، عن طريق اجتذابهم بعيدًا عن اهتماماتهم وأولوياتهم الحقيقية، من أجل السعي نحو (فانتازيا) عالم خيالي، تريد الأجندة النسوية فرضه بالقوة.
 
ويعتبر العنف ضد النساء -سواء كان عنفًا منزليًا أو اغتصابًا أو غيره من أوجه الاعتداء- مشكلة ضخمة في الولايات المتحدة، بحيث ينبغي لكل النساء تثقيف أنفسهن، واتخاذ التدابير الوقائية لتقليل خطر التحول إلى ضحية.
 
وتقول المؤلفة إنه عادة ما تشير الجمعيات النسائية إلى أن الرجال بشكل عام خطر على سلامة المرأة، وأن العنف ضد النساء أمر لا مفر منه، ولكن ينبغي أن تعرف النساء الحقائق المحيطة بانتشار العنف في مجتمعنا، وليست الإحصائيات المبالغ فيها، التي تبثها الحركة النسوية مرارًا وتكررًا، لكي تروج لفكرة أن العنف ضد المرأة هو أمر حتمي في وجود الرجال.
 
ولا بد من الاعتراف بأن برامج التلفزيون والمسلسلات والأفلام عامة تحترف تحويل أحداث الحياة إلى دراما، وتركز على أفظع القصص والمواقف وأكثرها رعبًا، وقد أثر انتشار تلك الأفلام وقبولها الاجتماعي الشائع إلى حد كبير، على نظرة النساء السلبية نحو الرجال، ونحو عالم العلاقات الاجتماعية بشكل عام.
 
وفي السنوات الأخيرة، تم ابتكار صياغة جديدة لمفهوم (العنف) الموجه للمرأة، فقد حولت قوانين (التحرش الجنسي) النكات والتعليقات غير اللائقة من مجرد سلوكيات همجية إلى جرائم ضد النساء، ولم يعد مصطلح (التحرش الجنسي) قاصرًا على السلوكيات العدائية بالفعل، التي تتعرض فيها النساء لاضطهاد ظالم أو تهديد عدائي ملموس، وحين يوضع كل الرجال في كفة واحدة مع أقلية من المجرمين، تبدو مشكلة العنف ضد النساء ضخمة للغاية، حتى إن إحراز تقدم في مواجهتها يصبح مستحيلاً.
 
وتقول المؤلفة إنه غالبًا ما نسمع عبارة (العنف ضد النساء)، ولكننا نادرًا ما نسمع عبارة (العنف ضد الرجال)، ومع ذلك فالرجال أكثر عرضه ليكونوا ضحايا لجرائم عنف، وبالرغم من انخفاض معدلات العنف ضد الرجال في العقود الأخيرة، فقد كان الرجال في عام 2003 أكثر عرضة من النساء بنسبة 40% كضحايا، وكانوا أكثر عرضة للقتل من النساء في 2002.
 
الزواج الهانئ.. هدف طبيعي
 
إن الفتيات المحاصرات بالمناخ الجنسي المنفلت، واللاتي تشبعت عقولهن برسائل تصور الجنس العابر كجزء مهم من كونهن نساء عصريات، ينبغي عليهن تأمل بعض التجارب الواقعية للنساء، إذ تندم كثير من النساء على الجنس العابر، ليس ندمًا لحظيًا مؤقتًا ولكن على امتداد سنوات عديدة، قد تمتد إلى ما بعد الزواج والاستقرار.
 
ومن حق الفتيات الطامحات إلى زواج هانئ ومستقر معرفة أن ذلك الطموح ليس مجرد استجابة لضغوط المجتمع، بل هو هدف طبيعي، غالبًا ما يرتبط بالسعادة المستدامة، والأمان الاقتصادي، والصحة السليمة.
 
ومن المهم أن تدرك المرأة التي ترغب في الطلاق العواقب والمشكلات المحتملة التي قد تواجهها هي وأطفالها عند اتخاذ هذا القرار، قبل أن تنهي حياة أسرية قد لا تكون تعيسة بدرجة كبيرة.
 
وفيما يتعلق بالحق في الإجهاض تقول المؤلفة إنه من الأفضل أن تستعرض الفتيات الحجج المنطقية، التي يقدمها طرفا الصراع حول موضوع الإجهاض، سواء أنصار حق الاختيار أو أنصار حق الحياة، لكن مع الأسف فإن غالبية المعلومات التي تتلقاها النساء الشابات، خاصة في الجامعات في فصول الدراسات النسوية، تقدم فقط حجج أنصار حق الاختيار، ولكي تتمكن المرأة من اتخاذ قرارات مدروسة حول الإجهاض وغيره من القضايا ينبغي أن يتاح أمامها قدرًا أكبر من المعرفة.
 
الوظيفة وسعادة المرأة
 
وترى المؤلفة أن الوظيفة أو العمل بالنسبة للمرأة، ليس المصدر الأكثر تحقيقًا للسعادة، وتشير إلى نتائج دراسات عديدة تؤكد أنه بالنسبة لغالبية النساء، فإن الأسرة والعلاقات الاجتماعية سوف تتفوق على المهنة، كأولوية أكثر أهمية في حياتهن، وبالتالي فإن الضغط الذي تمارسه الجمعيات النسوية على صانعي القرار من أجل تدعيم البرامج والسياسات الهادفة لدفع النساء إلى القوة العاملة، يتناقض مع حقيقة ما تريده غالبية النساء.
 
وتقول المؤلفة إنه غالبا ما يتم الاحتفاء بالدور المتعاظم للنساء في عالم الأعمال، كدليل ملموس على التقدم الذي تحرزه المرأة، لكن الحقيقة أن كثيرًا من النساء لا يرغبن في أن يكن مرغمات على العمل خارج المنزل، ويفضلن قضاء الوقت في تنشئة أطفالهن وفي المشاركة الاجتماعية، وينبغي لصانعي السياسات خلق بيئة تسمح للنساء باتخاذ قرارات تعكس أولوياتهن، وقد يعني ذلك ببساطة للكثير من النساء العمل ساعات أقل وقضاء ساعات أطول مع الأسرة.
 
إن مشكلة عمل المرأة في رأي مؤلفة الكتاب هي في الحقيقة مشكلة الأطفال، وقد تنجح بعض الجمعيات النسوية في تصوير الأمر بأن القلق المحيط بعمل المرأة يرجع إلى أن الرجال غير مرتاحين لوجود النساء في مراكز قيادية، ولكنها تغفل عن أزمة الأطفال، الذين يشكلون مركز العاصفة للمرأة العاملة، وإدراكها للسلبيات المحتملة عليهم قد يجعلها أكثر يقظة لملاحظة أية علامات تحذيرية، تعكس وجود مشكلات سلوكية لدى هؤلاء الأطفال.
 
الخلاصة
 
والخلاصة أن هذا الكتاب يسلط الضوء على دراسات في نواحٍ ذات أهمية حاسمة في حياة المرأة، مثل: حقيقة الاختلاف بين الرجل والمرأة، وخطأ ادعاء أن العداء بينهما هو الأصل، والزواج وسعادة المرأة، ومخاطر الطلاق وآثاره السلبية على المرأة والطفل، ومخاطر ما يسمى بالجنس الآمن، وحقائق الخصوبة، ومخاطر الإجهاض، ووهم ارتباط سعادة المرأة بعملها، ووهم امتلاك كل شيء، ووهم الرعاية البديلة للأطفال... إلخ.
 
وفي النهاية تقول المؤلفة إن الحركة النسائية المعاصرة جنحت بعيدًا عن رسالتها الأصلية، وأصبحت مرتبطة بسياسات ليبرالية متطرفة، إلى جانب إبداء عداء شامل نحو الأسرة التقليدية.
 
إن أهمية هذا الكتاب ترجع لكونه صرخة تصدر عن صوت نسائي طبيعي، قادم من قلب الحضارة الغربية، تطالب بالعودة إلى نداء الفطرة الإنسانية، بعد أن خاضت التجارب والمتاعب والضغوط التي أرهقتها.