فشل الفِكرُ النسوي في إطاره السياسي مِن التدشين لفكرة الوجودِ المتساوي للنِّساء في الساحة السياسيَّة، وكانت أبرز مظاهر ذلك الوجود المتدني للنِّساء العربيات في المجالس التشريعيَّة، والحقيقة أنَّ النسويَّات العرب يقرأْنَ الخارطة الاجتماعية بصورة مقلوبة، فبدلاً من تحديد الحاجات الحقيقيَّة للنِّساء وكيفية تلبية هذه الحاجات، يُقررْنَ أولاً هذه الحاجات وَفقًا للنموذج الغربي، وفي إطار تقليدي حرفي كما المرايا العاكسة، وبغضِّ النظر عن المشكلات التي يواجهها هذا الفكرُ ذاته في هذه البلاد.
لم تنشغلِ النسويَّات باستطلاع رأي النساء العربيات عن همومهنَّ الحياتية الحقيقية التي يلعب فيها الدورُ الاجتماعي دورًا أضخم بكثير مِن الدور السياسي، بل تعالين على النساء واعتبرنهنَّ قاصراتٍ مستمتعاتٍ بالظلم والقهر، مستعذبات العذاب غير واعيات بحقيقةِ الدور المطلوب منهنَّ.

وعلى مدار سنوات طويلة فَشِلَتِ النسويات في إقناع النِّساء العربيات بفكرهنَّ، خاصَّةً بالنسبة للجانب السياسي، فالقضايا الاجتماعية لها الأولوية عندَ المرأة العربية، ومِن ثَم قامت قيادات الحرَكة النسوية بدورٍ عظيم لتحطيم الجانب الاجتماعي؛ تمهيدًا لرسم صورة مغايرة لواقِع النِّساء، يعتمد على الصورة المستوردة قلباً وقالباً، فتمَّ عقد دورات ومحاضرات في كلِّ التجمعات النسائية حتى في قلب الريف! هذه المحاضرات التي لم تحْظَ بالشعبية، وكان الدافع الرئيسي للحاضرات الحصول على الجوائز والهدايا التي كانتْ تُقدَّم للحاضرات!
استراتيجية تمرد المرأة
اعتمدتِ الاستراتيجيةُ النسوية في تحطيم الأُسرة (يطلقون عليها مصطلح الأسرة التقليدية؛ تمييزاً لها عن الأُسر التي يطمحون إلى وجودها، والتي تتكوَّن من زوج وزوجة من نفس الجنس - علاقات لواط وسحاق) على تمرُّدِ المرأة الزوجة، عن طريقِ تضخيم أيِّ ظلم قد يقع عليها، أو حتى اختلاق الظلم نفْسه من ممارسات مقبولة وطبيعيَّة، ولعلَّ المثال الأبرز على ذلك اعتبار قوامة الزوج نوعاً من الظلم والتسلُّط مِن النظام الأبوي البطريركي السائد.
ومِن الآليات التي استخدمها الفِكرُ النسوي:
• اعتبارُ عمل المرأة المأجور بمثابة الواجِب والوسيلة الأساسية للتخلُّص منِ قوامة الزوج، وتَمَّ استغلال الحاجة المادية في كثيرٍ مِن الأُسر للترويج لعملِ المرأة.
• دعم تمرُّد المرأة وتنمُّرها.. يعد الخُطوة الأولى الأساسية لصُنع المجتمع المشوَّه الذي لا يوجد فيه ذَكَر أو أُنثى، بل يوجد فيه الجندر فحسب.
شهادة إفلاس
وعلى الرغم مِن أنَّ الفكر النسوي قطع شوطًا كبيرًا في التبشير بهذه الأفكار مِن خلال السيطرة على الكثير مِن وسائلِ الإعلام، ومِن خلال الأعمال الدِّراميَّة التي تقوم بدور مشبوه في الترويج لهذا الفِكر، فحقَّق بعض النجاحات الجزئية؛ بدليلِ ارتفاع معدَّلاتِ الطلاق، وكثرة قضايا الخُلْع، وارتفاع سِنِّ الزواج، وانتشار العَلاقات غير الشرعيَّة، إلاَّ أنَّ ذلك لم ينعكسْ على الواقع السياسي، فلم يتساوَ عدد الرِّجال والنِّساء في المجالس التشريعيَّة، ولم يشغلن نصفَ عدد المقاعد، ولا رُبُعَها، وفي بلد ضخم كمصر لعبتْ فيه الحركات النسوية دوراً بالغ الحساسية، وأشعلْنَ حروباً ساخنة، وكنَّ في طليعة النسويات العرَب.. لم تحقِّق النساء أكثر مِن 2 % مِن نِسبة أعضاء المجلس التشريعي.

وعندما يفْشَل الفكر تتدخَّل آليات السلطة لفَرْض الأفكار التي لم تجد القبول، بل لاقت الاستنكار والاستهجان، فكان فرضُ قانون خاص لدخول عدد معيَّن من النِّساء للمجلس التشريعي.
وهنا تبرز مرة أخرى فكرة قراءة الواقِع بالمقلوب، فبدلاً من أن يكونَ هدف المجلس التشريعي هو تحقيق مصالِح الشعب عن طريق أفْضل العناصر وأكثرها كفاءةً، وأكثرها قَبولاً عندَ الجمهور، أصبح الهدف إجبار الشَّعب على اختيار عدد معيَّن مِن النساء لا لشيء إلا لأنهنَّ نساء يجب تمكينهنَّ كما تنصُّ على ذلك المؤتمرات النسوية.
إنَّ صدور قوانين تفرِض كوتة للمرأة في المجالس التشريعيَّة العربية ليس كما يتوهَّم البعض انتصاراً للفكر النسوي عن طريقِ فرْض أجندته المشبوهة على المجتمع مستغلاًّ حالةَ العوار السياسي والتبعية الثقافية وحالةَ الفساد السياسي، بل إنَّ فرْض كوتة المرأة بقوَّة القانون الأعرج لهو أكبر شهادة على إفلاس الفِكر النسوي الذي لم يقنع أحداً بأفكاره وأطروحاته المتطرِّفة، لقد لفظتْه النساء قبل الرِّجال، ولم يتخذْه أحد منهجيةً للحياة والثقافة، وفشلت كل الطرق الناعمة وكل طرق الإقناع والتأثير فكانت الورقة الأخيرة وشهادة الوفاة.. فرْض هذا الفكر على مثل هذا النحو الشائن.
المصدر: موقع الألوكة، بتصرف، 22/3/2012.