يحاول التيار النسوي تمرير عدد من المصطلحات والمفاهيم الملتبسة، التي لا يمكن إدراك مغزاها وفهم الأبعاد الفكرية لها إلا من خلال أدبياتهم، ومن أبرز هذه المصطلحات "الجنس الآمن safe sex".
ظهر هذا المصطلح في ثمانينات القرن العشرين كنتيجة لانتشار مرض الإيدز، حيث تم استخدامه في الكتابات المهنية في عام 1984 في الولايات المتحدة الأمريكية، في مضمون ورقة عن التأثير النفسي الذي قد يسببه فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز على الرجال مثلي الجنس.
ثم تلقفته الأدبيات النسوية، وتعني به حق المرأة في إشباع غريزتها بالصورة التي تقررها هي، لا التي تضبطها لها أية معايير أخرى (دين أو عادات أو تقاليد)، على أن تمارس الجنس بصورة توفر لها الحماية من الوقوع في براثن الأمراض الجنسية أو الحمل غير المرغوب فيه.
عناصر الجنس الآمن
وحتى يتحقق هذا المفهوم لابد من توافر عنصرين هامين، تلزم بهما المؤتمرات والمقررات الدولية النسوية الدول والحكومات، وهما:
أولاً- تعليم الجنس:

ويقصد به تقديم جرعة تعليمية جنسية في المدارس ووسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية، يتعلم من خلالها المراهقون شتى الطرائق الجنسية والإشكالات المصاحبة لها، يتم اختيار من خلالها إشباع الغريزة الجنسية داخل أو خارج نطاق الزوجية، دونما وقوع آثار جانبية غير مرغوب فيها، كالأمراض التناسلية أو الحمل غير المرغوب فيه، وهذا المعنى يتم طرحه في وسائل الإعلام العربية تحت مسمى "الثقافة الجنسية".
وهذا ما تنادي به المادة 108 من وثيقة بكين، حيث تطالب بإدراج تعليم الجنس الآمن safe sex في المناهج التعليمية للمراهقين؛ ليتم ترسيخ الصورة المراد رسمها في وجدانهم ومخيلتهم، فتنص هذه المادة على ضرورة "تصميم برامج محددة موجهة للمراهقين والرجال من جميع الأعمار، تهدف إلى توفير معلومات كاملة ودقيقة عن السلوك الجنسي والإنجابي المأمون والمسؤول، بما في ذلك الاستخدام الطوعي لوسائل الوقاية الذكرية المناسبة والفعالة، بغية الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز".
ولا يقتصر الأمر على مجرد الاستعراض النصي، بل تحدد المادة 83 من ذات الوثيقة الإجراءات التي يتعين اتخاذها من جانب الحكومات والسلطات التعليمية وسواها من المؤسسات التعليمية والأكاديمية، وأهمها ما أوردته الفقرة (ك) والتي نصت على: "وعند الاقتضاء إزالة الحواجز القانونية والتنظيمية والاجتماعية، التي تعترض التعليم في مجال الصحة الجنسية والإنجابية في إطار برامج التعليم الرسمي بشأن مسائل الصحة النسائية".
ثانيًا- خدمات الصحة الإنجابية:

ويوضحها البند رقم 94 من وثيقة بكين 1995 بأنها: "مجموعة الوسائل والتقنيات والخدمات التي تسهم في الصحة الإنجابية والرفاه، عن طريق منع وحل المشاكل التي تكتنف الصحة الإنجابية. وهي تشمل أيضًا الصحة الجنسية التي يتمثل هدفها في تحسين الحياة والعلاقات الشخصية"، ويستلزم هذا البند بالطبع إيجاد الخدمات لتحقيق هذه الرعاية.
وتتمثل هذه الخدمات في موانع الحمل، والواقيات الذكرية والأنثوية، ويتطرق الأمر أحيانًا ليتم الإشارة إلى أن أفضل مراحل الجنس الآمن لا يتم تحققها إلا بالسحاق. تقول "مارج بيرير" -والتي تتولي تحرير مجلة Reproductive Health Matters، التي تصدر في بريطانيا في افتتاحية العدد رقم 6 نوفمبر 1998-: "الصحة الجنسية أشمل من مجرد ممارسة الجنس والاستمتاع به، والحصول عليه دون مخاطر صحية، فهي تعني بالقطع أكثر من مجرد غياب الأمراض الجنسية، فالربط بين الجنس والصحة والذي يستلزم ضرورة الوقاية من الأمراض خلال ممارسة الجنس، إنما هو خطوة أولى نحو الصحة الجنسية، فمعنى الصحة الجنسية يشير إلى كل أنواع الممارسات الجنسية على أن تكون الأعضاء التناسلية وما يرتبط بها من أجزاء الجسد الأخرى سليمة ومعافاة".
والأكثر من ذلك أنها أوجدت صلة بين الشذوذ والصحة الجنسية، حيث استشهدت في المقال نفسه بتجربة لدكتور "جيمس باري"، والذي تنسب إليه أول عملية قيصرية عاشت بعدها الأم والطفل، والذي عرضت سيرته مختصرة في أنه رغم كونه ظاهريًا رجل إلا أنه على حد قولها "كان في حقيقة الأمر ووراء دوره المهني وملابسه امرأة"، ثم تستطرد قائلة: "فمسائل هوياتنا كرجال ونساء تتسم بالعمق الشديد، وفي حالة باري فقد عاش ذلك في صمت تام رغم وجود صلات عديدة بين هذا الأمر والصحة الجنسية، إلا أنها لم تكن بادية للعيان".
كيف نحمي مجتمعاتنا؟
لقد أراد الفكر الأنثوي من خلال هذه المصطلحات الملتبسة أن يضع إستراتيجية عامة، تسير عليها المجتمعات البشرية بوجه عام، والإسلامية بوجه خاص، مما يستدعي منا:
1- ضرورة توعية المجتمعات بالمصطلحات المطاطة، والتي تستهدف تغريب مجتمعاتنا، ونشر الإباحية الجنسية على نطاق واسع.
2- التمسك بالهوية الثقافية؛ لمقاومة عملية التذويب الحضاري، والتصدي لمحاولات استهداف جذورنا، ومسخ مجتمعاتنا، حتى تصير بلا هوية أو دين أو ثقافة.
3- الحفاظ على الحصن الأخير لنا، وهو حصن الأسرة، وذلك بإصلاحها من الداخل، حتى لا يتخذها الآخرون ذريعة لضرب قيمنا والتسلل إلى أبنائنا، وتقديم النموذج الغربي لهم كبديل لما أسموه بــ "القيم البالية".
4- التنبه للطابور الخامس في بلادنا من الجمعيات الأهلية، التي تتلقى تمويلاً مشبوهًا؛ لتنفيذ تلك الأجندة الغربية، مع إضفاء طابع المحلية عليها، كي يتم قبولها من البسطاء، ومن ثم يسهل خداعهم.
5- إقامة المؤتمرات المناهضة لهذا الفكر المشبوه، وعمل الأبحاث والدراسات وورش العمل التي تتناول سبل مواجهة هذا الخطر "الأنثوي" في الداخل والخارج.
__________
*المصدر: موقع لها أون لاين، 17/8/2013، بتصرف.
المراجع:
1- موسوعة ويكيبيديا.
2- أهم المصطلحات الواردة في أبرز الاتفاقيات والمواثيق الدولية للمرأة والطفل، كاميليا حلمي، من أبحاث اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل.
3- مصطلحات الوثائق الدولية والخصوصية الحضارية، سيدة محمود محمد، بحث مقدم إلى المؤتمر السنوي الرابع عشر لتعريب العلوم.