
تعد خلخلة المجتمعات وتفكيك منظومة القيم الخلقية إحدى أهم ركائز المشروع النسوي، الذي يَستخدم حرب المصطلحات لمنح الشرعية لمنظومة القيم الفوضوية التي يطرحها، تلك القيم الفوضوية التي تحاول هدم الضمير الإنساني الفطري، ومحاربة الضمير الديني، وإشاعة الفاحشة، ونشر الانحلال الخلقي، من خلال حزمة من المؤتمرات والوثائق التي تجد طريقها للواقع عن طريق وسائل الإعلام والدراما وبرامج "التوك شو"، وتغيير القوانين الوطنية أو حتى بعض مواد الدستور للوصول لهذه الأهداف.
استَخدمت الكثير من النسويات العربيات سياسة وفلسفة التقية عندما بدأن في نشر فكرهن المنحرف، ونظرة على قنوات التليفزيون العربية الرسمية سنجد أن الحديث كان منصبًا على تعليم الفتيات وتخليصهن من الأمية، وعن معاناة المرأة المعيلة، أو حتى عن ضرورة تنظيم الأسرة عن طريق المباعدة بين الولادات حتى تستطيع المرأة الحفاظ على صحتها، ولو رصدنا مثل هذه البدايات سنجد أن الكثير منها كان يهتم بوضع لافتة دينية إسلامية لها: فطلب العلم فريضة، والرعاية الصحية واجبة سيسأل الله عنها الإنسان، وهكذا.
"القاهرة للسكان".. يدعو للانحلال
وسنجد في البدايات أن النسويات العربيات يتّهمن من يحارب المؤتمرات الأممية النسوية بالجهل، وأن ثمة مغرضين يعملون على خلق حالة من التشويه والتنفير لمثل هذه الوثائق والمؤتمرات، وأن الحديث عن إباحة الزنا والشذوذ وحرية الإجهاض ما هو إلا ضرب من خيال هؤلاء المضللين!
وذلك للتغطية على حقيقة هذه المؤتمرات، فمثلاً في عام 1994 عُقد مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة. وقد أثار "إعلان القاهرة" جدلاً واسعًا على المستوى الإسلامي، وعلى المستوى الدولي؛ لما يحويه من مصطلحات وتوصيات تخالف الأديان السماوية والقيم الإنسانية والأخلاقية، مثل: كلمة الصحة الإنجابية، و"الاختيارات الإنجابية"، ومعناه حرية الإجهاض كخيار إنجابي تتمتع به المرأة دون عوائق. ومصطلح "الحقوق الجنسية" و"كلمة المتحدين والمتعايشين" ومعناها حرية الشخص في الممارسة الجنسية مع شخص من نفس الجنس. "اللواط" أو "السحاق" بمعنى أن الوثيقة أرادت إقرار حقوق "اللوطيين والسحاقيات" واعتبارهم أشخاصًا طبيعيين يمارسون حريتهم الجنسية).[1]
وانكشاف الحقيقة أجبر عمرو موسى -وزير الخارجية المصرية وقتئذ- أن يعلق على هذا المؤتمر بقوله: "اتضح لنا أن المسألة ليست صياغة فقرات عن الجنس والزواج، بل كان هناك نوع من الفكر تؤمن به مجموعة من الدول! مقابل فكر آخر لدول أخرى، يعني كان هناك حوار وصدام وتنافس فكر ديني وحضاري، وكل مجموعة تحاول أن تسيطر وتفرض رأيها، خاصة في مثل هذا المؤتمر".[2]
"مؤتمر بكين".. يفرض الفاحشة
وفي العام التالي 1995 تم عقد أخطر المؤتمرات الأممية النسوية على الإطلاق وهو مؤتمر بكّين حيث سقطت جميع أوراق التوت، وتجلى بشكل لا يقبل التشكيك حقيقة إستراتيجية الفكر النسوي لنشر الفاحشة والانحلال، وفرض ذلك على كافة المجتمعات؛ لخلق مجتمع بشري جديد لا يعرف معنى الفضيلة أو العفاف، حيث "يجب أن تزيل البلدان العوائق القانونية، والتنظيمية، والاجتماعية، التي تعترض سبيل توفير المعلومات، والرعاية الصحية، والجنسية، والتناسلية للمراهقين، كما يجب أن تضمن أن لا تحد مواقف مقدمي الرعاية الصحية من حصول المراهقين على الخدمات والمعلومات التي يحتاجونها، وفي إنجاز ذلك لا بد للخدمات المقدمة إلى المراهقين أن تضمن حقوقهم في الخصوصية، والسرية، والموافقة الواعية والاحترام".[3]
إذ يبدأ نشر الانحلال بين المراهقين في سن البلوغ، حيث تكون الهرمونات الجنسية في أشد حالاتها، وتكون القدرة على الضبط والتحكم أقل من الناضجين، وهنا يتم التشديد على الدول حتى تمنح المعلومات وتقدم التسهيلات، ويتم الانتباه لأدق التفاصيل كأن يقوم مقدم الخدمة الصحية بأي موقف يشعر المراهق بالذنب؛ ولأنهم يخططون بطرق شيطانية فهم يعلمون أنه رغم اندفاع المراهقين إلا أنهم قد يتملكهم الخجل من الإقدام على الفواحش، وهي لا يمكن إلا أن تكون فواحش بعد الرفع القسري لسن الزواج، لذلك تؤكد الفقرة على ضرورة السرية واحترام الخصوصية.
وتطالب بـ "تصميم برامج محددة موجهة للمراهقين والرجال من جميع الأعمار؛ تهدف إلى توفير معلومات كاملة ودقيقة عن السلوك الجنسي والإنجابي المأمون والمسؤول، بما في ذلك الاستخدام الطوعي لوسائل الوقاية الذكرية المناسبة والفعالة؛ بغية الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز".[4]
وتطالب بـ "إزالة الحواجز القانونية والتنظيمية والاجتماعية، التي تعترض التعليم في مجال الصحة الجنسية والإنجابية في إطار برامج التعليم الرسمي."[5]
ف

المراهقون الذكور تتاح لهم الوسائل التي تجعلهم يُقدِمون على الفاحشة وهم في مأمن من انتقال الأمراض الجنسية، أما المراهقات والنساء -وفي سياق تشجيعهن على الحرية الجنسية- فقد تم الربط وبمهارة بين الظروف القاسية التي قد تعاني منها بعضهن وبين الحرية الجنسية "فشيوع الفقر والتبعية الاقتصادية بين النساء، وما يصادفنه من عنف، والمواقف السلبية من النساء والبنات والتمييز العنصري وغيره من أشكال التمييز، ومحدودية ما يتمتع به كثير من النساء من سلطان على حياتهن الجنسية والإنجابية، والافتقار إلى التأثير في عملية صنع القرار، هي من الحقائق الاجتماعية التي تترك أثرًا معاكسًا على صحة المرأة. فافتقار النساء والبنات إلى الغذاء، وكونه يُوزع بصورة غير عادلة في الأسرة المعيشية، وعدم كفاية إمكانية وصولهن إلى المياه المأمونة ومرافق الصرف الصحي وإمدادات الوقود، وﻻ سيما في المناطق الريفية والحضرية الفقيرة، وقصور أوضاع اﻹسكان، تلقي جميعها بأعباء زائدة على كاهل النساء وأسرهن، وتترك تأثيرًا سلبيًا على صحتهن. وسلامة الصحة أمر ﻻزم لتمتع المرأة بحياة منتجة ومرضية، كما أن حق جميع النساء في السيطرة على جميع جوانب صحتهن، وعلى اﻷخص خصوبتهن، هو أمر أساسي في تمكينهن)[6]، وهذا النص بالغ الصراحة في أن سيطرة النساء على حياتهن الجنسية هو أمر أساسي للتمكين الاقتصادي والمعيشي.
ورغم غرابة الربط بين عدم وجود مرافق صرف صحي وإمدادات الوقود وقلة الغذاء وبين الحل المطروح، ألا وهو السيطرة على الحياة الجنسية والإنجابية، إلا أنه يؤكد ما ذهبنا إليه من أن نشر الفاحشة والانحلال هو هدف محوري في المشروع النسوي، وأن جميع الأهداف التي تبدو مضيئة وفي صالح النساء يتم التعامل معها كأهداف وظيفية لخدمة الهدف المركزي المحوري وهو نشر الانحلال، وتغيير النمط الخلقي للمجتمعات.
وكما كان للذكور المراهقين أولوية في توجيه الخطاب الانحلالي التحريضي، فإن المراهقات الإناث لهن أيضًا الأولوية لسهولة التأثير عليهن، خلافًا للناضجات "والتمييز ضد البنات، الذي كثيرًا ما ينشأ عن تفضيل اﻷبناء الذكور، في الحصول على التغذية وخدمات الرعاية الصحية يُعرض للخطر صحتهن وسلامتهن في الحاضر وفي المستقبل. كما أن اﻷوضاع التي تجبر الفتيات على الزواج والحمل والولادة في وقت مبكر، وتعرضهن للممارسات الضارة مثل عمليات ختان الإناث، تشكل مخاطر صحية جسيمة. وتحتاج المراهقات مع بلوغهن إلى الحصول على الخدمات الصحية والتغذوية اللازمة، وإن كن ﻻ يحصلن عليها في الغالب اﻷعم. وحصول المراهقات على المشورة والمعلومات والخدمات فيما يتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية ﻻ يزال قاصرًا أو معدومًا تمامًا، وكثيرًا ما ﻻ يؤخذ في الاعتبار حق الشابات في الخصوصية والسرية والاحترام والموافقة المستنيرة).[7]
وتكرار المظالم التي تقع على الفتيات والتي تدفعهن للرثاء على أنفسهن هي مقدمة عاطفية لتمرير الهدف الأساسي، وهو الصحة الجنسية والإنجابية للمراهقات، سواء عن طريق وسائل منع الحمل أو عن طريق الإجهاض الآمن، وإمدادهن بالمعلومات اللازمة والمشورة والخدمات التي تحقق ذلك "والمراهقات أكثر تعرضًا، بيولوجيًا واجتماعيًا ونفسيًا، من اﻷوﻻد المراهقين للإيذاء الجنسي والعنف والبغاء، ولعواقب العلاقات الجنسية غير المحمية والسابقة لأوانها. والاتجاه إلى التجارب الجنسية المبكرة، مع انعدام المعلومات والخدمات، يزيد من خطر الحمل غير المرغوب فيه والمبكر للغاية، ومن خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية وغيره من اﻷمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، وكذلك خطر عمليات الإجهاض غير المأمون. وﻻ يزال الحمل المبكر يعوق إحداث تحسينات في الوضع التعليمي والاقتصادي والاجتماعي للمرأة في جميع أنحاء العالم. وبصورة عامة، فإن الزواج المبكر والأمومة المبكرة للشابات يمكن أن يحدا بدرجة كبيرة من فرص التعليم والعمل"[8]، بينما يحد الزواج المبكر من فرص التعليم والعمل فإن البديل ليس العفة التي لا يرد لها ذكر ولا مرة واحدة في منهاج عمل بكين، وإنما فقط ينبغي حماية المراهقة من الإيذاء الجنسي، ومن العلاقات الجنسية غير المحمية، ومن خطورة الإجهاض غير المأمون!
"وتشمل حقوق الإنسان للمرأة حقها في أن تتحكم وأن تبت بحرية ومسؤولية في المسائل المتصلة بحياتها الجنسية، بما في ذلك صحتها الجنسية والإنجابية، وذلك دون إكراه أو تمييز أو عنف. وعلاقات المساواة بين الرجال والنساء في مسألتي العلاقات الجنسية والإنجاب، بما في ذلك الاحترام الكامل للسلامة المادية للفرد، تتطلب الاحترام المتبادل والقبول وتقاسم المسؤولية عن نتائج السلوك الجنسي".[9]

وفي المجتمع النسوي البديل تواجه النساء ثمار العلاقات غير الشرعية وحدها، في واحدة من أسوأ ما تعانيه المرأة الغربية رغم كل الدعم المقدم لها، لذلك يسعى المشروع النسوي للبحث عن وسائل جديدة لإقناع الرجال بتقاسم المسئولية الناتجة عن السلوك الجنسي غير الشرعي، وهو الأمر الذي لا يلاقي نجاحًا حتى الآن، ومن ثم توسعت النساء في منع الحمل؛ حتى لا تتحمل وحدها مسئولية هذا السلوك الغريزي غير المنضبط، وهو ما يتماشى مع فلسفة الفردية التي هي روح الفكر النسوي، بينما تعاني الجماعة في الغرب من شيخوخة المجتمع بعد تناقص عدد المواليد لدرجة الخطر.
وعلى الرغم من ذلك هناك إصرار بالغ على الضغط على دولنا لإباحة الإجهاض و"النظر في استعراض القوانين التي تنصّ على اتخاذ إجراءات عقابية ضد المرأة التي تجري إجهاضًا غير قانوني"[10]، وتمت الدعوة بإلحاح للبحث عن بديل للإجهاض عن طريق "تشجيع الرجل على تحمل نصيبه بالتساوي في رعاية الأطفال والعمل داخل البيت، وتقديم حصته من الدعم المالي ﻷسرته، حتى وإن كان ﻻ يعيش معها".[11]
إنها محاولات لترقيع تناقضات الفكر النسوي، فبينما تطالب وثيقة إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) ومنهاج بكين بضرورة التساوي في نوعية التعليم وطبيعة العمل، ومن ثم أصبحت مشكلة رعاية الأطفال مشكلة ملحّة بحاجة إلى حل، فكان الحل في نظرهم أن يتحمل الرجل نصيبه بالتساوي في رعاية الأطفال والعمل داخل البيت، ولكنهم لم يبتكروا حلاً حتى الآن لرعاية الأجنة وما تعانيه النساء أثناء الحمل، وأيضًا لرعاية الرضع، واللاتي أجبرهن العلم الحديث للدعوة للعودة للرضاعة الطبيعية مرة أخرى!
نماذج لثمار دعاوى الانحلال
الثمار المرة لدعاوى الانحلال التي يحملها الفكر النسوي تبدو الآن ظاهرة للعيان، فالفكر النسوي الذي صيغت أفكاره في منهاج عمل تتم متابعته بانتظام، وينفق عليه بسخاء، ويقنن في قوانين في ظل واقع سياسي واجتماعي متأزم، لا بد أن تظهر ثماره، ولو رصدنا المجتمع المصري كنموذج يقع في القلب من العالم الإسلامي، مع ثقل سكاني وعلمي وتاريخي، سنجد أن مظاهر الانحلال التي ظهرت على السطح في الآونة الأخيرة أكبر من أي محاولة لتجميل الواقع.
* مشروع ليلى:
كان وقع ما حدث في القاهرة أكثر من صادم، ففي حفلة أقيمت في التجمع الخامس لفرقة لبنانية اسمها (مشروع ليلى) تجمع فيها أكثر من 35 ألف شخص، وكان الزحام شديدًا للغاية، وقال شهود عيان إنه قد تواجد في الحفل مخدرات (بانجو وحشيش)، وكانت العديد من الفتيات يرتدين ملابس عارية فاضحة، تشبه تلك الملابس التي ترتدى على شواطئ البحر، ويعلم جميع من حضر الحفل أن قائد فريق مشروع ليلى "حامد سنو" هو من الشواذ العرب، حيث جاهر بذلك مرارًا لوسائل الإعلام، وعلى الرغم من ذلك حدثت حالة من التطبيع المجتمعي والقبول به، على الرغم من أن الآلاف الذين حضروا الحفل هم أشخاص طبيعيون، لكنهم لم يجدوا غضاضة من التعامل مع فريق مشبوه مثل (مشروع ليلى)، أو كما قالت إحدى الحاضرات: نحن كجماهير نؤيد وجود فرقة "مشروع ليلى" في مصر، وليس لنا التدخل في أمورهم الشخصية؛ لأنهم هم مَن سيحاسبون على أفعالهم في النهاية".[12]

وكان من ضمن الحضور أيضًا العديد من الشواذ من الذكور والإناث، لم يعلم عددهم على وجه التحديد، إذ اختلفت التقديرات في عدد الشواذ الذين حضروا الحفل ما بين 100 و300 فرد، حيث قاموا برفع علم الشواذ الذي يشبه قوس قزح، وقام بعضهم بممارسات مخجلة على الملأ، ومجرد إعلان الشواذ عن أنفسهم بهذه الطريقة في قلب القاهرة علامة فارقة في مدى استقواء الانحلال الخلقي، حتى أن العديد من الصفحات كتبت بوقاحة منقطعة النظير عن حقوق الشواذ في المجتمع المصري، كما كتبت إحدى الصفحات التابعة لجمهور مشروع ليلى، ناشرة صورة من رفع العلم في الحفل، معلقة: "ربما كان يخاف الكثير منا من رفع العلم والتصريح أننا هنا، كل الشكر لكل من رفعوا علمنا، علم فخر مجتمع الميم، كل الشكر لهؤلاء الشجعان والشجاعات في حفل مشروع ليلى، شكرًا لجعلنا جميعًا نشعر بفرحة عارمة بهذا الانتصار الصغير، شكرًا للظهور والتصريح أننا هنا، دعونا ننام اليوم سعداء بهذه اللحظة".[13]
ما قامت به السلطات المصرية مِن توقيف مَن رفع علم الشواذ وهؤلاء الذين جاهروا بشذوذهم؛ استجابة للصدمة المجتمعية التي حدثت، تم مواجهته بالتنديد من قبل الأمم المتحدة، حيث "أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن القلق بشأن اعتقال أكثر من 50 شخصًا خلال الأسابيع الأخيرة؛ بسبب ما يعتقد عن توجهاتهم أو هوياتهم الجنسية. وألقي القبض على اثنين لرفعهما أعلام قوس قزح خلال حفل موسيقي، واعتقل آخر لإدارة صفحة على موقع فيسبوك. وفي بعض الأحيان يتم القبض على الأفراد بعد الإيقاع بهم من قبل مسؤولي تنفيذ القانون على التطبيقات أو المحادثات على شبكة الإنترنت"، وتتضمن الاتهامات الموجهة لهم ممارسة الفسق والتحريض على الفجور، والانضمام إلى جماعة محظورة. وذكر المتحدث أن عشرة رجال على الأقل قد حُكم عليهم بالسجن لفترات تتراوح بين عام وستة أعوام، وينتظر معظم المحتجزين الآخرين المحاكمة، وتم الإفراج عن عدد قليل ممن احتجزوا.
أما المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان فأضاف قائلا: "اعتقال أو احتجاز أشخاص بناء على توجهاتهم وهوياتهم الجنسية الفعلية أو ما يعتقد عنها، يعد تعسفيًا، وينتهك القانون الدولي والمساواة أمام القانون والحماية المتساوية أمامه. اعتقال واحتجاز أفراد للتعبير بشكل مشروع عن أنفسهم، بما في ذلك رفع أعلام قوس قزح، هو أمر تعسفي أيضًا، وينتهك حقوق الأفراد في حرية التعبير".
ويشدد مكتب حقوق الإنسان على ضرورة أن تلغي جميع الدول القوانين التي تجرم العاملين في مجال الجنس.[14]
معركة الشواذ في مصر -كرمز أعلى للفساد- بدأت ولن تنتهي بسهولة، فلم يعودوا يقبلون بوصفهم بالشذوذ ولا بالمرضى النفسيين، هم يرون أن لهم هوية جنسية مثلية ولدوا بها، ولهم الحق في إظهارها، تلك الروح التي سرت بفعل تلك المواثيق الحقوقية النسوية التي خاطبت المراهقين والمراهقات بضرورة امتلاكهم الحرية الكاملة لاختيار هويتهم الجنسية، ومن ثم وقفت الأمم المتحدة تدافع عن الطليعة التي بدأت بتنفيذ ما تم التخطيط له في منهاج بكين، بل والانتقال من مرحلة السرية والاختفاء والتبرير لمرحلة الاستقواء والتحدي والظهور للعلن.
* الزواج العرفي:
لم تكن حادثة معلم الكيمياء الذي يعطي دروسًا لمجموعة مختلطة من طلاب وطالبات الثانوية العامة إلا انعكاسًا للواقع المر الذي يحيا في أجوائه الطلاب المراهقين، فالطلاب الذين يعانون معاناة قاسية من وطأة الضغوط التعليمية من جهة، ومن وطأة المشاعر والأحاسيس التي يمرون بها بفعل التغيرات الهرمونية من جهة أخرى، وتحيطهم الدراما والسينما والأغاني بسيل من الإثارة الجنسية، والذين يمنع زواجهم بفعل الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وبالطبع القانوني الذي يرى في ذلك شرًا مستطيرًا، والذي يراد لهم أن يعيشوا كما الطلاب في الغرب في علاقات جنسية خارج إطار الزواج، مع تثقيفهم جيدًا حتى لا تنتقل لهم الأمراض المنقولة جنسيًا.
هؤلاء الطلاب الذين ينبغي أن توضع لهم خطط مدروسة جيدًا لمساعدتهم على تجاوز هذه المرحلة الصعبة نجد معلمًا تربويًا يشرح لهم الكيمياء بلغة خارجة، فالمعلم يشرح بعض التفاعلات ويشبهها بالعلاقة بين الفتى والأنواع المتعددة من الفتيات اللاتي يلتقي بهن، حتى يصل لمكون جديد يطلق عليه "ابن حرام"، وهو أخف لفظ استخدمه المعلم في شرحه، وسط ضحك الطلاب والطالبات الحاضرين.
هذا المناخ المنحل ربما يكون صادمًا لكنه ليس شاذًا في سياق عام يدعو لهذا الانحلال، حيث يصل التطبيق العملي لهذا المناخ مداه وسط الطلاب الجامعيين، الذين يبدأ عامهم الدراسي بحفلات راقصة، واختلاط لا محدود، وينتهي بعلاقات غير شرعية، حتى وصل الحال بطالب لاحتضان طالبة لفترة طويلة وسط الحرم الجامعي، وأمام نظر أفراد الأمن، ووسط تعليقات منحلة من أصدقاء الطالبين، حدث هذا علنًا، وتم تصويره بالصوت والصورة.
أما ما يحدث في الخفاء فهو أشد وأعظم، حتى بلغت بعض التقديرات أن هناك 250 ألف حالة زواج عرفي "زنا"، وما تعبير الزواج العرفي إلا محاولة لتخدير بقايا الضمير الديني بمنح هذه العلاقات مسمى زواج.
ولو رصدنا موقف النسويات المصريات من هذا الزواج سنجد أنهن يقلن صراحة ليس مهمًا حرام هو أم حلال، ليست هذه المشكلة، وإنما المشكلة في عدم التوثيق، ومن ثم بعض المشكلات القانونية المرتبطة بإثبات نسب الطفل، فمثلاً تقول إحداهن موجّهة حديثها للفتيات: لا تريدون أن يَعرف الأهل ولا أي أحد عن هذه العلاقة.. ما المانع من توثيق الزواج عند مأذون كي تحفظي حقك وتختبري جدّيته؟ وتريد من الأهل ألا يصدموا عندما يعرفون بأمر الزواج العرفي سواء والد الشاب أو الفتاة، ويسعون لتحويله لزواج شرعي، أما في حال هرب الشاب ورفض التوثيق.. فلا مشكلة أيضًا؛ لأنه يكون درسًا للفتاة[15] يحدث هذا وسط حملة شعواء على الحجاب ومفهوم الستر، وحملة أخرى على مفهوم العذرية والتقليل من شأنها كأحد بقايا الفكر الرجعي المتخلف، وحملة أخرى موجهه للنساء لاستعادة السيطرة على أجسادهن تحت لافتة جسدي ملكي.
______________
* المصدر: موقع الراصد، 19/10/2017.
[1] شيطنة المرأة وسيلة لضرب الأسرة وهدم المجتمعات، محمد عبد الحميد.
[2] جريدة الخليج 24\9\ 1994.
[3] إعلان ومنهاج بيجين، مكتبة حقوق الإنسان، جامعة منيسوتا.
[4] المصدر السابق.
[5] المصدر السابق.
[6] المصدر السابق.
[7] المصدر السابق.
[8] المصدر السابق.
[9] المصدر السابق.
[10] المصدر السابق.
[11] المصدر السابق.
[12] شهود عيان يروون كواليس حفل "مشروع ليلى"، جريدة المصريون.
[13] رفع علم المثليين في حفل بالتجمع الخامس لفرقة "مشروع ليلى"، جريدة اليوم السابع.
[14] نقلا عن موقع الأمم المتحدة بتصرف يسير.
[15] https://www.youtube.com/watch?v=cI-9yZHT9TM